كلمة ألقاها المهندس عطا أبو الرشته-في الأردن- في معهد المعلمين في ناعور-عمان
كيفية تطبيق الإسلام عمليــــاً
إنه مما يحز في النفس أن يحتاج تطبيق الإسلام عملياً إلى محاضرة أو ندوة لبيانه وتوضيحه ، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد طبق الإسلام عملياً وكذلك خلفاؤه من بعده طيلة عهود الإسلام الأولى ، حتى أن المسلمين لم يكونوا يعرفون حياة بدون الحكم بما أنزل الله ، ولا يعرفون عيشاً لا خليفة فيه للمسلمين يرعى شؤونهم ، لقد كان تطبيق الإسلام يسري في المجتمع سريان الدم في الجسد . فإن المسلمين كانوا يشهدون بيعة الخليفة ويبايعونه ، ويشاهدون الجيش وهو يتحرك للجهاد ويكونون جنوداً فيه ، كذلك كانوا يرون الحدود تطبق أمام أعينهم ، والزكاة تؤخذ من أغنياءهم وترد إلى فقراءهم ، ويشاهدون التجار المسلمين ومن في ذمتهم يتاجرون بلا ضريبة جمارك (مكوس) ومحلاتهم التجارية آمنة بلا دفع رسوم حراسة أو خلافها ، ليس هذا فقط بل كذلك توزع عليهم الأعطيات من بيت المال . وهكذا استمر عيش المسلمين مستظلاً براية لا إله إلا الله محمد رسول الله في أمن وطمأنينة نتيجة تطبيق أحكام الإسلام ، فلا مضايقة للأمة ولا ملاحقة لأفرادها أو تجسس من أحد عليها ، تحاسب الحاكم بلسانها إن أساء التطبيق ، ولكنها تشهر السيف في وجهه إن أظهر الكفر البواح ، تسارع للجهاد طلباً للنصر والاستشهاد لا تأخذها في الله لومة لائم ، واستمرت عزيزة خير أمة أخرجت للناس تطبق الإسلام في داخلها بدافع التقوى وسلطان الإسلام وتنشره خارجها بالدعوة والجهاد ، وبقي حالها كذلك حتى أُلغيت الخلافة بعد الحرب العالمية الأولى على يد المجرم مصطفى كمال أتاتورك وأعوانه .
ومنذ ذلك الوقت والمسلمون يعيشون بلا خليفة يحكمهم بما أنزل الله ، فبعدت الشقة بين المسلمين وبين الحكم بالإسلام . ومما ضاعف المشكلة تعاون الدول الكافرة مع الحكام في بلاد المسلمين على نشر ثقافات ضالة مضللة حتى أصبح يوجد بين المسلمين من لا يميز بين نظام الخلافة والنظام الملكي والجمهوري والإمبراطوري ، ووجد منهم من لا يرى فرقاً بين الوزراء في الإسلام كمعاونين للخليفة وبين الوزراء في الأنظمة الحالية . كذلك ظهر في أوساط المسلمين من ينكر أن الجهاد هو مبادأة الكفار بالقتال فيقول عنه أنه للدفاع فقط ، لا بل وجد منهم من يقول بالجهاد السلمي
﴿ كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا ﴾ أما عن أنظمة المجتمع الأخرى وبخاصة النظام الاقتصادي والعقوبات فقد جهلها عدد من المسلمين لانقطاعهم عنها ردحاً من الزمن . وهكذا اختلطت الأمور على الناس وغشيهم ما غشيهم . حتى أصبح الذي كان الأصل فيه أن يكون معلوماً من الدين بالضرورة بحاجة إلى زيادة توضيح وإضافة بيان . ومن هنا كانت هذه المحاضرة عن تطبيق الإسلام عملياً .
أيها الأخوة :
إن تطبيق الإسلام عملياً يبدأ ببيعة الخليفة على كتاب الله وسنة رسوله ، وكل مسلم عاقل بالغ عدل حر ذكر أهل لأن يُبايَع خليفة للمسلمين ، وكل بلد من بلاد المسلمين يكون سلطانه سلطاناً ذاتياً يستند إلى المسلمين وحدهم لا إلى أية دولة كافرة ويكون أمانه الداخلي والخارجي بأمان الإسلام ، أهل لأن يبايع الخليفة بيعة انعقاد ويكون هذا البلد مركزاً لدولة الخلافة .
فإذا بويع الخليفة بيعة انعقاد بالرضى والاختيار من قبل أهل الحل والعقد في ذلك البلد ، ثم بعد ذلك بويع على الطاعة من غير معصية من قبل بعض المسلمين ، تكون شروط الدولة الإسلامية قد تحققت حيث السيادة للشرع والسلطان للأمة ونصب خليفة واحد يتبنى الأحكام الشرعية من الكتاب والسنة وما أرشدا إليه . وتكون حينها قد وجدت دولة الخلافة وأصبح تطبيق الإسلام عملياً قائماً نافذاً في الأمة لا خيار فيه ولا مندوحة عنه .
يبدأ الخليفة بعد بيعته بإقامة جهاز الدولة ، وجهاز الدولة في الإسلام جهاز متميز يختلف عن أجهزة الحكم في الأنظمة الرأسمالية والشيوعية وكذلك الأنظمة القائمة في بلاد المسلمين ،
وجهاز دولة الخلافة الذي أقره الإسلام هو ما يلي :
1 ـ الخليفة وهو رئيس الدولة والنائب عن الأمة في السلطان وتنفيذ الشرع .
2 ـ وزير التفويض أو المعاون ويشترط فيه أن يكون رجلاً مسلماً عاقلاً بالغاً حراً عدلاً ومن أهل الكفاية فيما وكل إليه من أعمال . ويكون تعيين الخليفة له مشتملاً على أمرين عموم النظر والثاني النيابة ، فيعاون الخليفة في جميع أمور الدولة وعمله أن يرفع مطالعته للخليفة في جميع الأمور وأن ينفذ هذه المطالعة ما لم يوقفه الخليفة عن تنفيذها لأن وزير التفويض معاون للخليفة في الحكم .
3 ـ وزير التنفيذ يعينه الخليفة معاوناً له ولكن في التنفيذ وليس في الحكم فعمل وزير التنفيذ من الأعمال الإدارية ودائرة وزير التنفيذ هي لتنفيذ ما يصدر عن الخليفة للجهات الداخلية والخارجية ولرفع ما يرد إليه من هذه الجهات ، فهي واسطة بين الخليفة وغيره تؤدي عنه وتؤدي إليه . ويشترط في وزير التنفيذ أن يكون مسلماً لأنه من بطانة الخليفة .
4 ـ أمير الجهاد وتتألف دائرته من أربع دوائر : دائرة الخارجية ، والحربية ، والأمن الداخلي ، والصناعة ، ويشرف عليها ويديرها أمير الجهاد . وذلك لأن هذه الدوائر الأربع قائمة على أساس الجهاد ، أما الحربية والأمن الداخلي فواضح عليها دور القوات المسلحة التي تضم الجيش والشرطة ، وأما الخارجية فإن أساس علاقة الدول الإسلامية مع الدول الأخرى هو نشر الدعوة الإسلامية وطريقته الأساسية الجهاد ، وأما الصناعة فإن المصانع بأنواعها يجب أن تقام على أساس السياسة الحربية ، ومراعاة المصانع لاحتياجات البلاد الأخرى تكون تابعة لهذا الأساس .
والجهاد في الإسلام ذروة سنامه وهو ركن أساس في الدولة ولذلك فإن عناية كبيرة توجه له فيدرب على الجندية إجبارياً كل رجل مسلم يبلغ الخامسة عشر من عمره لأن هذا فرض عليه استعدادا للجهاد . وبالإضافة إلى ذلك فإن الدولة في الإسلام تعمل أقصى إمكانياتها لتوفير الأسلحة والمعدات والتجهيزات واللوازم والمهمات للجيش ليتمكن من القيام بمهمته بوصفه جيشاً إسلامياً يحفظ دولة الخلافة ويمد سلطانها ويرفع راية ( لا إله إلا الله محمد رسول الله ) إلى بقاء المعمورة وكل ذلك طريقته الرئيسية الجهاد .
5 ـ القضاء وهو الإخبار بالحكم على سبيل الإلزام
وهو ثلاثة :
القاضي الذي يتولى الفصل في الخصومات ما بين الناس في المعاملات والعقوبات ، والمحتسب الذي يتولى الفصل في المخالفات التي تضر حق الجماعة ، والثالث قاضي المظالم ، وهو الذي يتولى رفع النزاع الواقع بين الناس والدولة ، وكل هؤلاء يجب أن تتوفر فيهم أن يكون القاضي مسلماً حراً بالغاً عاقلاً عادلاً فقيهاً مدركاً لتنزيل الأحكام على الوقائع . ويضاف شرطان لمن يتولى قضاء المظالم وهما أن يكون رجلاً وأن يكون مجتهداً .
والقضاء في الإسلام من حديث البت في القضية درجة واحدة فلا محاكم استئناف ولا محاكم تمييز ، وكل القضاة يعينهم الخليفة أو قاضي القضاة ويملك عزلهم كذلك إلا قاضي المظالم فلا يملك أحد عزله وإنما لمحكمة المظالم مجتمعة صلاحية عزله ، لأن عمل قاضي المظالم يتعلق برفع كل مظلمة تحصل على أي شخص يعيش تحت سلطان الدولة سواءً حصلت هذه المظلمة من الخليفة أو من غيره من الحكام والموظفين . كذلك لمحكمة المظالم صلاحية النظر في مخالفة الخليفة لأحكام الشرع . وكذلك في معاني النصوص الشرعية ضمن تبني الخليفة وأي مظلمة أخرى .
6 ـ الولاة ، ويعينهم الخليفة على ولايات الدول من الرجال الأحرار المسلمين البالغين العقلاء العدول ، ومن أهل الكفاية والتقوى والقوة . ولهم صلاحية الحكم والإشراف على أعمال الدوائر في ولايتهم نيابة عن الخليفة ، فلهم الإمارة على أهل ولايتهم ما عدا المالية والقضاء والجيش التي ترتبط بالخليفة وأجهزته . إلا أن الشرطة توضع تحت إمرتهم من حيث التنفيذ لا من حيث الإدارة . وينبغي أن لا تطول مدة ولاية الشخص الواحد على الولاية ، بل يعفى من ولايته عليها كلما رُؤِيَّ له تركز في البلد أو افتتن الناس به .
7 ـ الجهاز الإداري ، وهو عبارة عن المصالح والدوائر والإدارات التي تتولى إدارة شؤون الدولة ومصالح الناس ، ولكل من يحمل التابعية وتتوفر فيه الكفاية رجلاً كان أم إمراة ، مسلماً كان أم غير مسلم ، أن يعين مديراً لأية مصلحة من المصالح أو أية إدارة وأن يكون موظفاً فيها .
8 ـ مجلس الأمة ، وهو يضم الأشخاص الذين يمثلون المسلمين في الرأي ليرجع إليهم الخليفة ، ويجوز لغير المسلمين أن يكونوا في مجلس الأمة من أجل الشكوى من ظلم الحكام أو من إساءة تطبيق أحكام الإسلام ، وعلى هذا فإنه لكل من يحمل التابعية إذا كان بالغاً عاقلاً الحق أن يكون عضواً في مجلس الأمة ، رجلاً كان أم إمرأة . مسلماً كان أو غير مسلم ، إلا أن عضوية غير المسلم قاصرة على إظهار الشكوى من ظلم الحكام أو من إساءة تطبيق الإسلام .
ولمجلس الأمة صلاحيات أربع هي :
أولاً : أ ـ كل ما هو داخل تحت ما تنطبق عليه كلمة مشورة من الأمور الداخلية يجب أن يؤخذ رأي مجلس الأمة فيه . وذلك مثل شؤون الحكم والتعليم والصحة والاقتصاد ونحوها ويكون رأيه ملزماً ، وكل ما لا ينطبق عليه ( المشورة ) لا يجب أن يؤخذ رأي مجلس الأمة فيه مثل السياسة الخارجية والمالية والجيش .
ب ـ لمجلس الأمة الحق في المحاسبة على جميع الأعمال التي تحصل بالفعل في الدولة سواءً أكانت من الأمور الداخلية أو الخارجية أم المالية أم الجيش . ورأيه ملزم إن لم يخالف الشرع . وإن اختلف مجلس الأمة والحكام على عمل من الناحية الشرعية يرجع فيه لرأي محكمة المظالم .
ثانياً : لمجلس الأمة حق إظهار عدم الرضا من الولاة أو المعاونين . ويكون رأيه في ذلك ملزماً . وعلى الخليفة عزلهم في الحال .
ثالثاً : يحيل الخليفة إلى مجلس الأمة الأحكام التي يريد أن يتبناها في الدستور أو القوانين ، وللمسلمين من أعضائه حق مناقشتها وإعطاء الرأي فيها ، ورأيهم في ذلك غير ملزم .
رابعاً : للمسلمين من أعضاء مجلس الأمة حق حصر المرشحين للخلافة ، ورأيهم في ذلك ملزم ، فلا يقبل ترشيح غير من رشحهم .
9 ـ دائرة بيت المال وتكون تابعة للخليفة مباشرة وهو يعين من يشرف عليها . وتختص دائرة بيت المال بكل ما يرد إلى الدولة أو يخرج منها مما يستحقه المسلمون من مال .
والأموال في دولة الخلافة :
أ ـ الأنفال والغنائم والفيء والخمس .
ب ـ الخراج .
ج ـ الجزية .
د ـ الملكية العامة بأنواعها .
هـ ـ أملاك الدولة .
و ـ العشور .
ز ـ مال الغلول من الحكام وموظفي الدولة ومال الكسب غير المشروع ومال الغرامات .
ح ـ خمس الركاز والمعادن .
ط ـ مال من لا وارث له .
ي ـ مال المرتدين .
ك ـ الضرائب الواجبة شرعاً .
ل ـ أموال الصدقات والزكاة .
10 ـ الإذاعة والتلفزيون وهي تابعة للخليفة مباشرة وهو يعين من يشرف عليها .
هذه هي أجهزة الدولـة في الإسلام التي وردت النصوص بإقرارها . فبعد بيعة الخليفة يقيم هذا الجهاز،
وبذلك تكون أجهزة الدولة قد اكتملت .
يــتــبـــع
--------------------
﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ﴾