[صبري النجار]

قبرص المسلمة منذ معاوية
===========

قبرص من أكبر جزائر البحر الأبيض المتوسط في أقصى شرقيه، وهي جزيرة جبلية بها سلسلتان من الجبال‏.‏ يشتغل أهلها بالزراعة وأرضها خصبة ‏.‏

لما ولي عثمان بن عفان (رضي الله عته ) الخلافة كتب إليه معاوية بن أبي سفيان (رضي الله عته ) يستأذنه في غزو البحر، فوافق عثمان على طلبه ، وكتب إليه) : لا تنتخب الناس ، ولا تقرع بينهم ، خيرهم ، فمن اختار الغزو طائعاًً فاحملهُ وأعنه).

فاختار الغزوَ جماعةٌٌ من الصحابةٍ فيهم أبو ذرٍ و أبو الدرداء وشداد بن أوس وعبادة بن الصامت وزوجه أم حرام بنت ملحان.
وبنى معاوية أول اسطول بحري في الاسلام، واستعمل عليهم عبد الله بن قيس حليف بني فزارة وساروا إلى قبرص عام 28هـ وجاء عبد الله بن أبي سرح من مصر فاجتمعوا عليها وصالحهم أهلها على سبعة آلاف دينار بكل سنة‏. وعند عودتهم همت أم حرام بركوب بغلة لتتجه إلى السفينة فزلت قدمها وماتت ودفنت في قبرص ، وصدقت بشرى الرسول لها بأنها ستكون ممن يركبون ظهر البحر كالملوك على الأَسِـرّةِ .

وكان عبد الله بن سعد بن أبي السرح قد ولاه خليفة المسلمين عثمان بن عفان ولاية مصر ففتح جنوب ليبيا ، ثم غزا بلاد النوبة، بالإضافة إلى أن معاوية سيطر على الشواطىء في بلاد الشام وآسيا الصغرى، فلما رأى الروم خسائرهم المتوالية في البر جمع قسطنطين بن هرقل أسطولاً رومياً به ألف سفينة لضرب المسلمين، فأرسل معاوية - بعد إذن الخليفة - مراكب الشام بقيادة بُسر بن أرطاة ، واجتمع مع بن أبي سرح في مراكب مصر ، ومجموعها مائتا سفينة فقط ، وكانت معركة ذات الصواري ، سنة32 للهجرة .

والتقى الجيشان في عرض البحر ، وطلب المسلمون من الروم : إن أحببتم ننزل إلى الساحل فنقتتل ، حتى يكتب لأحدنا النصر ، وإن شئتم فالبحر ، فأبى الروم إلا الماء ، وبات الفريقان تلك الليلة في عرض البحر ، وقام المسلمون الليل يصلون ويدعون ويذكرون ، وبات الروم يضربون النواقيس .

ولما صلى المسلمون الفجرَ أمر عبدُ الله جندَه أن يقتربوا من سفن أعدائهم فاقتربوا حتى لامسوها ، ونزل المجاهدون إلى الماءِ وربطوا سفن المسلمين بسفن الروم بحبال متينة، وبدأ الروم القتال، وصار قاسياً، وسالت الدماء حتى احمرت صفحة المياه، وترامت الجثث في الماء، وضربت الأمواج السفن حتى ألجأتها إلى الساحل، واستشهد من المسلمين الكثير، وقتل من الروم ما لا يحصى، وصمد المسلمون، فكتب الله لهم النصر بما صبروا، واندحر الروم، وكاد قسطنطين أن يقع أسيراً في أيدي المسلمين، لكنه فر مدبراً والجراحات في جسمه حتى وصل جزيرة صقلية، فسأله أهلها عن أمره، فأخبرهم فقتلوه حنقاً عليه.

وما لبث أن صار البحر الابيض المتوسط خالصا للمسلمين من دون غيرهم، ولكن الضعف والهزال الذي أصاب الدولة الاسلامية لاحقاً – في العصر العباسي الثاني - شجع الفرنجة على غزو أطراف الدولة. وكانت الحملات الصليبية والتي اتخذت من جزيرة قبرص قاعدة لها للهجوم على مصر والشام


وبعد نهاية الحملة الصليبية السابعة بقيادة لويس التاسع الذي أسره المصريون في دار بن لقمان بالمنصورة ، و بعد قيام دولة المماليك الأولى "البحرية " في مصر و الشام سنة 1250م ، التي أنشأت قوة عسكرية عظيمة ظلت تحمي مصر و الشام و إستعادت ماكان بيد الصليبين من بلاد الشام , و بعد فشل الحملة الصليبية الثامنة علي تونس بقيادة لويس التاسع (الذي حنث بقسمه و عهده للمسلمين وقت أسره في المنصورة) , إنتهت بالفعل الموجات الكبيرة للحروب الصليبية.

ولكن جزيرة قبرص ظلت قاعدة صليبية تهدد أمن المسلمين , وكان ريتشارد قلب الأسد قد إستولى عليها و أقطعها لـجي دى لوزينيان (Guy de Lusignan) فأنشأ فيها مملكة صليبية كرَّست كل جهودها لحرب المسلمين و معاونةِ الصليبيين , وشيئاً فشيئاً تحولت هذه الجزيرةُ إلى قاعدةٍ صليبيةٍ خطيرةٍ ، واشتهر من ملوكها إثنان بالجرأة على المسلمين والغارة على شواطئهم وقطعِ البحر على سفنهم ، وخاصة في أيام بطرس الأول لوزينيان 1350 –1369 م. وهذا الرجل هو الذي نظم وقاد الحملة المخربة التي نزلت بمدينة الإسكندرية وأنزلت بها وبأهلها تدميرأ وخرابأ بعيدي المدى في أُكتوبر1365 م ، حيث خربت الكثير من أسواقها ، وقتلت الألــوف من أهلها بينما هرب الوف آخـرون ، ويحكي كتاب " الإلمام بالإعلام فيما جرت به الأحكام والأمور المقضية في وقعة الإسكندرية" لمؤلفه المصري محمد بن قاسم النويري المالكي السكندري تفاصيل هذه الغارة.
ويستوقف النظرأن ملكَ قبرص نفسَـه ظل في الإسكندرية أسبوعاً كاملاً ، أما رجاله فمكثوا فيها نحو الأيام العشرة يدمرون ويقتلون ويحرقون وينهبون قبل أن تصل النجدة المملوكية إلى الإسكندرية.

رد الأمير يلبغا الخاصكي

ورداً على هذه الغارة قام الأمير يلبغا الخاصكي والي الإسكندرية بإعداد اسطولٍ ضخمٍ وجيشٍ قويٍ من البحارة والمقاتلة وقد زاد عدد السفن على مائتين ولكن الرجل توفي قبل تنفيذ حملته سنة
1279م. ولكنها نبهت سلاطين المماليك إلى الخطر الصليبي وضرورة تحصين الموانئ الإسلامية والمزيد من العناية بالأساطيل .

ردالأشرف شعبان

رد الأشرف شعبان على ذلك بحملةٍ أرسلها إلى قبرص يقودها القائد البحري إبراهيم الغازي في رجب 769 هـ/فبراير 1368 م فأغارت على ساحل الجزيرة وعادت بأسرى . ثم لم يلبث الملك يطرس أن قتله بعض رجاله سنة 770هـ/ 1368م ، وفي نفس السنة حاول الأسطول القبرصي الإغارة على الإسكندرية فتصدت له سفن الريس إبراهيم الغازي وأغرقت معظم سفنه فولت البقية هاربةً.
ردالملك الأشرف سيف الدين بارسباي
وكان من الضروري القضاء على ذلك الوكر الصليبي. فلما تولى الملك الأشرف بارسباي آخر سلاطين دولة المماليك الثانية "البرجية" ، قرر تنفيذ ذلك ، فاحتفل احتفالاً كبيراً بإعداد السفن بشتى أنواعها وإعداد المقاتلة والبحارة والمجاهدين والخيل والمؤن, وقد تم لبارسباي ما أراد بعد ثلاث حملات:-
الأولى: تمهيدية سنة 727هـ/1424م إقتحمت ميناء ليماسول واستكشفت أوكار القراصنة على ساحل الجزيرة وعادت بأسرى.
الثانية: تمكنت من النزول عند ميناء كورباس (Corbass) على الساحل الشمالي الشرقي للجزيرة ثم استولت على فاماجوستا "الماغوصية" ورفع حاكمها علم السلطان بارسباي على قلعة البلد. ثمّ قضت على أسطول قبرص قرب ساحلها ، ثم استولت على مدينة لارناكا "Larnaka" جنوبي الجزيرة ، كما استولت على ليماسول ورفعوا العلم السلطاني عليها ، ثم اتجهوا نحو العاصمة نيقوسيا ، ولكن قائد الحملة سيف الدين جرياش الظاهري علم أن جانوس لوزينيان ملك الجزيرة استنجد بالبندقية وأنها أرسلت قوة بحرية كبيرة، فقرر العودة إلى مصر محملاً بالغنائم والأسرى.
الثالثة والأخيرة: دخلت نيقوسيا وحاول الملك جانوس التعرض للمسلمين عند خيروكيتا فهُزِمَ وأُسِـرَ، ودخل قائد الحملة الأمير تغري بردي المحمودي نيقوسيا، وأعلن أن الجزيرة أصبحت من أراضي السلطان الأشرف سيف الدين بارسباي، ورفع العلم السلطاني عليها ، واقتيد الملك جانوس لوزينيان إلى الإسكندرية حيث افتدى نفسه بمائتي ألف دينار ، وهكذا تم القضاء على تلك القاعدة الصليبية.
قبرص المصرية المملوكية
وقد ظلت قبرص تابعة لسلطنة المماليك حتى استولى العثماتيون على مصر سنة 922هـ/1517م . قبرص العثمانية
إنتقلت ملكية قبرص إلى الدولة العثمانية منذ عام 1517 م ، وظلت تابعةً لهم لمدة 361 عاماً، حتى مؤتمر برلين.
قبرص الإنجليزية
تنازل العثمانيون عن قبرص للإنجليز بمقتضى اتفاق في مؤتمر برلين سنة 1878 م وظل الإنجليز يحتلونها ( حوالي 40 سنة) حتى أسلموها لليونان !!! - بعد الحرب العالمية الأولى.

مشكلة قبرص التركية اليونانية

بدأت مشكلة قبرص لأن الأتراك القبارصة المسلمين ثاروا على الحكم اليوناني بقيادة الزعيم التركي المجاهد رءوف دنكتاش الذي نجح بمعاونة تركيا في الإستقلال بالجزء الشمالي الإسلامي في صيف 1974، بعد مذابح طيلة عشر سنوات ضد المسلمين هناك ، وصدور عدة قرارات من الأمم المتحدة ومجلس الأمن في تلك الفترة .

ونقرأ النص التالي من أحد المؤتمرات ذات الصلة:
إن مؤتمر القمة الإسلامي المنعقد في دورته التاسعة ( دورة السلام والتنمية ) في الدوحة ، بدولة قطر يومي 16 و 17 شعبان 1421هـ ، الموافق 12 و 13 نوفمبر 2000م ،
إذ يؤكد مجددا على قرارات المؤتمرات الإسلامية السابقة بشأن قضية قبرص، التي تم التعبير فيها عن التأييد الثابت للحقوق المشروعة لأبناء قبرص من المسلمين الأتراك الذين هم جزء لا يتجزأ من العالم الإسلامي ،
يحث الدول الأعضاء على تعزيز تضامنها الفعلي مع أبناء الشعب القبرصي التركي من أجل مساعدتهم على تجاوز العزلة اللا إنسانية التي فرضت عليهم، وذلك بغية توسيع نطاق صلاتها وعلاقاتها في كافة المجالات ولاسيما منها المجالات التجارية والسياحية والثقافية والإعلامية والاستثمارات والرياضة.

ومازالت المشكلة قائمة إلى اليوم ! ويحاول القبارصة الأتراك التأكيد على وجود كيانين ( تركي ويوناني) لهما حقوق متساوية في دولة موحدة ، ولكن القبارصة اليونانيين يسعون من أجل توحيد الجزيرة تحت سيطرتهم هم ، وتحاول المجموعة الأوربية الضغط على القبارصة الأتراك كي يقبلوا بوجود قبرص واحدة يونانية (لأن اليونان عضو الإتحاد الأوربي) يعيش فيها المسلمون كأقلية دون أن يحكموا أنفسهم!! فندعوا الله للقبارصة الأتراك بالتوفيق في العيش في سلام وفي دولة يحكمون فيها أنفسهم ، لا يحكمهم أعداؤهم. وليتنا نتعلم من تكرار نفس الدرس في التاريخ، حيث نقوى ونتوحد فنسود ، ثم نتفكك فنضعف فنتعرض لغزو كما حدث في العصر العباسي الثاني (عصر الدويلات) و تكرر في سقوط الأندلس عام 1492 (بعد عصر ملوك الطوائف) وتكرر بعد سقوط الخلافة العثمانية ، فضاعت فلسطين ، وما أشبه الليلة بالبارحة .

صـبـري النـجـار

[ahmedfarghaly]

جزاك الله خيرا على المعلومات القيمة

[صبري النجار]

أخي الفاضل الأستاذ/ ahmedfar

شكراً على مرورك الكريم وبارك الله فيك
وهل ترى في هذا الموضوع دروس لنا ؟

أخوك: مهندس/ صبري عبد العليم النجار

[دموع فلسطين]

كلام جميل وادهشني واسعدني شكراً لك يا سيد صبري النجار