المشهد الأول
الطفل الصغير عبد الملك (بطل القصة ) ينصت لحوار دار بين رجلين أحدهما عامل والآخر أحد أعمامه وهو من كبار قومه ويسمى عامر
العامل: ها أنا قد انتهيت من العمل الذي كلفتي به يا سيدي
عامر : وماذا تريد إذن ؟
العامل : أريد الأجرة التي اتفقنا عليها سويا بالأمس
عامر : يسأل بسخرية : أي اتفاق تقصد ؟
العامل : ألم نتفق بالأمس أن أقوم لك بهذا العمل مقابل 100 دينار وها أن قد أنجزت عملي على خير وجه
عامر : اتفقنا فعلا على العمل ولكن لم نتفق على المبلغ وأراك تشطط وتغالي فيما تريد
العامل : لم أشطط ولم أبالغ فأنا اطلب حقي الذي اتفقنا عليه وهو مائة دينار عامر : يكفي خمسة دنانير فقط .
العامل : يا سيدي أنت بهذا تظلمني ظلما بينا وهذا لا يرضي الله في شيء
عامر : ولكن يرضيني أنا فهل تأخذ الخمسة دنانير أو تنصرف دون درهما واحدا وغير مأسوف عليك
العامل : بل أنصرف وأشكوك إلى الوالي ويستطرد العامل قائلا : لقد حذرني إخواني من العمل لديكم يا بني حارث فأنتم قوم ليس لديكم عهد ولا ذمة ولماذا أتعجب من فعلك وكل قومك مثلك يعبدون الدينار والدرهم فأنتم قد ضربتم المثل في البخل وحب المال وكل ما استطع أن أقوله لك حسبي الله ونعم الوكيل منكم يا قوم حارث ولستم بحارث
الراوي:
ويسمع الطفل الصغير عبد الملك هذا الحوار وهو يتألم ويئن من الأسى والحزن لأنه رأى بنفسه ظلم أحد أقربائه وبخله الشديد ودار حوار داخلي وكلم الطفل نفسه قائلا : " متى يأتي اليوم الذي أكبر فيه وأكون مسئولا عن مال أبي لأمحو الصورة السيئة التي اتسم بها قومي فأساعد الآخرين بمالي وأجود وأعطي على القريب والغريب حتى أفخر بقومي وأتباهى بهم بين باقي القبائل ويفخر الآخرون بهم بدلا من صفات الخزي والعار التي أوجدها آبائي وأجدادي بسبب حبهم للمال ونقضهم للعهود
الراوي:
وتمر الأيام وتمر السنون ويكبر الطفل عبد الملك ليصبح شابا يافعا قويا ويعمل بالتجارة وتزداد تجارته يوما بعد يوم ويختلط بباقي التجار من القبائل الأخرى ويشتهر بصفاته النبيلة وكرمه وجوده وحسن الخلق ونجدة الجار حتى بدأت تتغير نظرة الناس لقبيلته لأنه يعاون المحتاج ويعطف على الفقراء والمساكين ويسد الدين عن المدينين
الراوي:
وذات يوم يموت والده ليصبح هو المسئول الأول عن المال والتجارة وبدأ يستخدم هذا المال للدفاع عن قومه وتحسين صورته أمام باقي القبائل أكثر وأكثر .وقد دار هذا الحوار بينه وبين عمه فهد
العم فهد : اعلم يابني أن والدك قد مات وترك لك تركة ضخمة وجميع شباب القبيلة يحسدونك على هذه التركة
وعليك الحفاظ عليها وتنميتها ومضاعفتها
عبد الملك : كأنك تلمح لشيء آخر يا عماه
العم فهد : انت لماح وذكي كما عهدتك يا عبد الملك نعم ألمح لشيء آخر نعم ألمح لشيء هام أود منك أن تحافظ على مال أبيك ولا تعطي قومك إلا على قدر طاقة أي فرد فيها فأعط بمثل ما يعطون وامنح بمثل ما يمنحون
عبد الملك : ولكنهم قومي تربيت في كنفهم ولي أحلام بمثل أحلامهم فمالي مالهم وعرضي من عرضهم وشرفي من شرفهم ولا تنسى ياعماه صورة قومي السيئة بين باقي الأقوام
العم فهد : صورة قومك لن تتغير ولن تتبدل عند باقي الأقوام لأنها صفات وطبائع مترسخة في الأذهان ومن الصعب بل من المستحيل أن يتحول هذه الصفات إلى نقيضها فالفقير قد يصبح غنيا والغني قد يصبح فقيرا ولكن البخيل من الصعب أن يصبح كريما
عبد الملك : لا يا عماه قد يصبح البخيل كريما إذا أخلصنا النية في نصحه وإرشاده
العم فهد : إن المجد الذي تحاول أن تحققه لقومك هو مجد لك وحدك وليس لقومك وتذكر نصيحتي هذه فأنا رجل قد شابت رأسه من كثرة التجارب ونوائب الدهر ولتتذكر هذا الحوار جيدا فإن قومك أول من سيخذلونك إذا أصبحت فقيرا وفي حاجة إليهم
عبد الملك : لا أظن ذلك يا عماه ألهذه الدرجة ليس لديك أية ثقة في قومك ؟
العم فهد : نعم ليس لدي أية ثقة في القوم وأول من سيخذلك عمك عامر
عبد الملك : يرد بتعجب عمي عامر ! عمي عامر!
العم فهد : نعم عمك عامر فهو معك بلسان معسول لأنه يستفيد منك ومن مالك وإذا صرت فقيرا سيكون أول من يبتعد عنك وينفر منك وستظهر لك الأيام صدق ما أقوله لك
الراوي :
انتهى الحوار بين عبد الملك وعمه ولم يفكر عبد الملك كثيرا في أقوال عمه لأنه اعتبر هذا الكلام نوعا من الخيالات التي لا ترقى أبدا لدرجة الواقع فعبد الملك يحب قومه ولا يمكن أن يصل تفكيره في قومه إلى هذا الحد
ثم بدأ يترك هذا الحوار جانبا وبدأ يواصل عطاءه اللامحدود لقومه واستمر يعطي لقومه من ماله الخاص ويسد الدين عن المدينين ويعطي عطاء من لا يخشى الفقر حتى ظن أن صورة قومه قد بدأت تتبدل عند باقي الأقوام والقبائل
وذات يوم خرجت له تجارة كبيرة إلى بلاد الشام كان عبد الملك قد وضع كل ماله فيها تقريبا وكان ربحها سينفقه على قومه ولكن حدثت المأساة والفاجعة الكبرى فقد أغارت مجموعة من اللصوص على القافلة وسرقت كل ما فيها ونهبته وأصبح عبد الملك بعدها فقيرا معدما
حزن عبد الملك حزنا شديدا على ماله الضائع السليب ثم سرعان ما عاد سريعا يعود إلى يرشده ويحاول أن يبني نفسه من جديد لأنه أدرك أن هذا اختبار من عند الله ولو صبر الإنسان على محنته فإن الله سيعوضه خيرا في دنياه وآخرته وكان أول قرار اتخذه أن يتزوج من فتاة تعينه على تحقيق أهدافه وتكمل معه مشواره الذي عاش من أجله وقد اختار ابنة عمه عامر وتسمى ( ريحانة )فهي أيضا محبة لتحسين حال قبيلتها وعانت الأمرين من بخل أبيها وحبه للمال الشديد ومن سمعة قبيلتها السيئة عند باقي القبائل .ولكم كانت تتمنى أن تتزوج من ابن عمها وتبعد عن سيطرة أبيها العاشق للمال
قرر عبد الملك أن يصطحب عمه فهد ويذهبا سويا إلى العم عامر لخطبة ابنته ( ريحانة )
عبد الملك : تعلم يا عماه بأني أصبحت شابا وأخشى على نفسي من فتنة النساء
العم فهد : مثلك يا بن أخي لا يخشى عليه من الفتنة فأنت شاب أمين تعين المحتاج وتخشى الله في كل شيء وشهوة النساء أبعد عنك بعد الأرض من السماء
عبد الملك : ولم يا عماه ؟ ألست شابا يميل إلى النساء كما تميلون وأقع في حبهم كما تقعون
العم : أراك تلمح أنك تريد الزواج وتقريبا قد حددت العروس
عبد الملك : نعم يا عماه أريد الزواج من ابنة عمي عامر
فهد : نعم الاختيار يا بن أخي ثم سكت العم هنيهة وفكر قائلا ولكن يا بن أخي أخشى أن يرفضك عمك عامر . فأنت فد أصبحت فقيرا لا تملك شيئا وعمك لا يحب إلا المال ودائما يسعى إلى الجاه والسلطان
عبد الملك : لا أريد أن أحكم على الرجل الآن .أنا أعرف أنه يحب المال والحاه والسلطان ولكني ابن أخيه ودمي من دمه بالإضافة إلى أنني كنت قرينه عندما كان عندي المال الوفير
العم فهد : هذا عندما كان لديك المال فقد كان يتقرب منك لينتفع منك ولكنك الآن فقير والوضع قد تغير تماما
عبد الملك : لنجرب يا عماه ونعرف إن كان يتقرب مني لمالي أم كان يفضل الأخلاق والصفات النبيلة .
الراوي : ويخرج الرجلان عبد الملك وعمه فهد من هذا الحوار إلى أنهما قد قررا الذهاب لبيت عمه عامر لخطبة ريحانة
زيارة عبدا لملك وعمه فهد لعمه عامر من أجل خطبة ريحانة
تنفرج الستارة فيظهر رجل قابع في خيمته وهو يتناول طعامه الذي يبدو بسيطا جدا عبارة عن قليل من الزيت وبعض من التمر وكسرات صغيرة من الخبز ثم ينادي فهد من خارج الخيمة
فهد : يا عامر يا عامر
عامر : من بالباب من الهاتف الداعي ؟
فهد : أنا أخوك فهد ومعي ابن أخي عبد الملك
عامر : يتحدث لجواريه هيا هيا احملوا هذا الطعام سريعا ثم يرفع صوته ما حالكما ولم تأتيان في هذا الوقت المتأخر
فهد : يا رجل الوقت ما زال مبكرا وقد جئنا إليك في أمر هام وسار
عامر : هام وسار هام وسار .إذن هناك مال جديد لي كنت غافلا عنه !
عبد الملك : يا عماه هل سنظل واقفين على الباب هكذا ؟
العم عامر : معذرة فقد شغلت عنكم بالحديث معكم ونسيت أن أرحب بكم ثم يفتح باب الخيمة ويدخل الرجلان ويجلسان ويطلب لهما كأسين من القهوة ثم يبدأ الطرفان الحديث
العم فهد : تعلم يا عامر أن ابن أخيك أصبح شابا وفي سن الزواج
عامر : نعم ولكن أجئتما لتذكرا لي بأن عبد الملك أصبح يافعا وفي سن الزواج
فهد : صبرك يا رجل انتظر حتى ننهي كلامنا
عامر : أكمل ولكن سريعا
فهد : جئنا لنخطب عبد الملك لابنتك ريحانة
عامر : ريحانة وعبد الملك يتزوجان هأ هأ هأ ويضحك بسخرية تشعرهم بالرفض الصريح . ثم يستطرد قائلا ولكن عبد الملك قد أصبح فقيرا ولا يقدر على نفقة ابنتي ومهرها كما أن القبيلة قليلة العدد وأنا أريد أن أزوج ابنتي لشاب من قبيلة كثيرة العدد حتى استمد منها القوة والنصرة
عبد الملك : يرد عبد الملك بحرقة شديدة
تعيرنا يا عماه أنا قليل عديدنا ولكن الكرام قليل
وما ضرنا أنا قليل وجارنا عزيز وجار الأكثرين ذليل
وما قل من كانت بقاياه مثلنا شباب تسامى للعلا وكهول
وما مات منا ميت في فراشه ولا طل منا حيث كان قتيل
تسيل على حد السيوف نفوسنا وليس على غير السيوف تسيل
إذا سيد منا خلا قام سيد فؤول لما قال الكرام فعول
وما أخمدت نار لنا دون طارق ولا زمنا في النازلين نزيل
الراوي :
وينصرف عبد الملك وعمه فهد غاضبين فقد خذلهما عامر وظهر على حقيقته المادية وظهر كرجل يريد أن يبيع ابنته لمن يدفع أكثر
وهنا تذكر عبد الملك الحوار الذي دار بينه وبين عمه فهد سابقا عندما قال له :" أول من سيخز لك هو عمك عامر "
وبدأ يشعر بخيبة الأمل وبأن أحلامه قد ضاعت بل وذهبت في أدراج الرياح .
وأصيب بخيبة أمل شديدة جعلته يخرج هائما على وجهه وأصبح يرى في حالة سرحان شديدة وإذا حدثه أحد لا يهتم بما يقوله ولا ينصت لما يقول وقد ظن الناس أن عبد الملك أصيب بمس من جنون وبدأوا ينكلمون عنه الناس في أحاديثهم ومسامراتهم الليلية حتى وصلت هذه الأحاديث إلى ملك يبحث لابنته عن زوج صالح وبحث في قومه فلم يجد فقرر الذهاب إلى موطن هذا الشاب وقد تخفى في ملابس أحد التجار وكان هذا المشهد
تفتح الستارة ويظهر السوق مليئا بالباعة والتجار والمارة ويظهر الملك في ثياب أحد التجار وهو يحاول أن يجمع معلومات عن هذا الشاب بطريقة غير مباشرة
الملك : يقلب الملك في بعض الثياب ثم يسأل عن ثمن هذا الثوب
بكم هذا الثوب يا رجل ؟
البائع : هذا الثوب بخمسين ريالا
الملك : أنت تغالي في السعر يا رجل لقد اشتريت مثل هذا الثوب من شاب يسمى عبد الملك يثلاثين ريالا فقط وأناأبحث عنه منذ ساعات ولكني لم أعثر عليه
البائع : إن الشاب عبد الملك كان من خيرة القوم
الملك : أسمعك تقول كان هل أصيب بمكروه أو قتل
البائع : لقد كان سخيا كريما معطاء لا يتوانى في خدمة القوم والقبائل المجاورة وقد وهب جزءا كبيرا من ماله لقبيلته
ولكنه فقد معظم ماله عندما أغارت مجموعة من اللصوص على قافلته وكانت الصدمة الكبرى عندما رفض عمه عامر أن يزوجه ابنته بعد أن أصبح فقيرا
الملك : وأين هو الآن ؟
البائع : لو أردت أن تجده فاذهب إلى تلك الصخرة التي تراها من بعيد فهو يجلس هناك كثيرا وحيدا منعزلا عن الناس في هذه الأيام
الملك : الملك يتجه إلى الصخرة باحثا عن الشاب عبد الملك ويجده جالسا وحده
السلام عليك ورحمة الله وبركاته
عبد الملك: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
أهلا بالرجل حللت سهلا وجئت اهلا
الملك : يحاول الملك أن يتأكد من عدة أمور قبل أن يصارحه برغبته في تزويج ابنته له .
أأنت عبد الملك من بني عامر
عبد الملك : نعم هل تعرفني يا سيدي
الملك : لا لم أتشرف بمعرفتك من قبل ولكن أرى القوم يتكلمون عنك كثيرا وعرفت منهم قصتك وجودك بمالك من أجل الآخرين وسمعت عن قصتك مع عمك ماهر ولذا فأنا أعرض عليك أمرا ما
عبد الملك : ما هذا الأمر الذي تريد أن تعرضه علي يا سيدي ؟
الملك : أريدك أن تنسى قومك نهائيا ولا تفكر فيهم مرة ثانية مقابل أن أمدك بالمال الذي ترجع به أحد أثرياء قومك شريطة أن تحارب به عمك وتجعله من الأذلاء في قومك
عبد الملك : أجننت يا رجل ! أجننت يارجل ! والله لولا أنك ضيف عندنا ولك حق الضيافة لقطعت جسدك إربا إربا أتريد مني أن استخدم مالك في إيذاء احد من أفراد قومي وأكون شوكة في جنب من جنبات قومي . إن قومي مهما فعلوا بي فهم قومي وعشيرتي وأهلي وعليك أن تعلم يا رجل أني على استعداد أن تأكلني السباع والوحوش في الفلاة ولا يقال عني بأني قد آذيت أحدا من قومي . هيا يا رجل أغرب عن وجهي ولا أريد رؤيتك أو سماع صوتك مرة ثانية .
الملك : سألتك عن نفسك ولم تسألني عن نفسي
عبد الملك : تقاليدنا يا رجل ألا نسأل الضيف إلا بعد ثلاثة أيام من استضافته
الملك : وأن سأزيل عنك حرج هذا السؤال وأعرفك بنفسي . أنا ملك من ملوك الحيرة ولي ابنة وحيدة وتريد أن تتزوج من رجل شهم كريم معطاء نبيل يتمتع بشجاعة الفرسان وبحثت في قومي فلم أجد كل هذه الصفات بين شباب قومي وقررت أن أبحث عن هذا الشاب بنفسي .وأثناء جولاتي هنا وهناك سمعت من بعض الناس عنك وأعجبت بك وأردت اأن أختبرك بنفسي وعرضت عليك المال نظير خيانتك لقومك .وكن ردك مقنعا جدا لي بأنك الفارس الشاب النبيل الذي أبحث عنك وها أن ذا أعرض عليك الزواج من ابنتي وأعرض عليك مالي وجاهي وسلطاني في خدمتك وخدمة قومك .
عبد الملك : وأنا أقبل الزواج من ابنتك حبا في أخلاقها وفي أخلاق أبيها وحبا في قومي واعتزازا بهم
الراوي :وتنتهي القصة بالزواج السعيد بين عبد الملك وعروسه ابنة ملك الحيرة ويظل عبد الملك في عطائه لقومه ويموت عمه عامر وتتزوج ابنته ريحانة من أحد أفراد القبيلة ويعتبرها عبد الملك أختا له يزورها ويحنو عليها وعلى أولادها وتتحسن صورة قومه بين القبائل لتصبح قبيلة بني عامر من اشهر قبائل العرب كرما وجودا وصدقا وينجح عبد الملك في تحقيق أهدافه .